من حواء إلى سفاح التجمع:جذور ثقافة لوم النساء من الأساطير إلى الجرائم الحديثة

كتبت: هبة النمر

  • “زوجته والرجال”.. سبب صادم وراء اصطياد سفاح التجمع للنساء
  • مراته كانت بتخونه.. مفاجأة جديدة في واقعة سفاح التجمع
  • زوجة سفاح التجمع كانت بتخونه وبسببها كره الستات اعرف آخر الاعترافات
  • جرائم سفاح التجمع.. الدوافع والأسباب «الخيانة» وراء قتل ضحاياه من فتيات الليل

تلك العناوين الإخبارية ليست مجرد كلمات؛ فهي تعكس وتؤثر على كيفية رؤية المجتمع للنساء وتبرير العنف ضدهن. يساهم هذا النوع من الإعلام في تطبيع العنف من خلال تبرير الجرائم بأفعال النساء، يتم تطبيع العنف ضدهن وتقديمه كاستجابة مبررة. عندما يتم تصوير أفعال النساء كسبب مشروع للعنف، كما يلقي بالمسؤولية على الضحايا والناجيات بدلًا من الجناة، مما يعزز من ثقافة لوم الضحايا. هذا يؤدي إلى تجنب محاسبة الجناة الفعليين والتركيز بدلاً من ذلك على تصرفات الضحايا، مما يعيق العدالة ويسهم في استمرار العنف وتبريره.
في الأونة الأخيرة، أثارت قضية سفاح التجمع اهتمام الرأي العام وأثارت الكثير من النقاشات حول أسباب هذه الجرائم ومن يتحمل المسؤولية. وفي حين أن القضية نفسها مروعة، فإنها تسلط الضوء أيضًا على قضية أوسع: الميل التاريخي والمستمر إلى إلقاء اللوم على النساء في الجرائم والكوارث حتى ولو كانوا هن الضحايا أو الناجيات. يتعمق هذا المقال في الجذور المتمثلة في إلقاء اللوم على النساء، بدءًا من الأساطير القديمة وحتى العصر الحديث، موضحًا كيف استمرت هذه العقلية وتطورت.

جذور ثقافة لوم النساء

منذ العصور القديمة، كانت النساء دائمًا في موقع الاتهام واللوم في العديد من القصص والأساطير التي ساهمت في تشكيل وعي المجتمعات:

حواء والتفاحة

تعتبر حواء أول امرأة تُلقى عليها المسؤولية عن خطيئة البشر الأولى. حيث تم تصويرها على أنها السبب في طرد البشرية من الجنة لأنها أكلت من شجرة المعرفة و أغوت آدم ليأكل منها أيضًا، مما جعلها رمزًا للخطيئة والإغواء. تُستخدم قصة حواء والتفاحة دائماً لتبرير العديد من التصورات السلبية عن النساء، من بينها فكرة أن النساء هن السبب في معاناة البشر أجمعين وخاصة الرجال وأنهن عرضة للإغواء والإغراء والتسبب فى المشاكل.

اسطورة باندورا

أسطورة باندورا هي واحدة من أشهر الأساطير في الميثولوجيا اليونانية القديمة، وهي تتحدث عن كيف جاءت كل الشرور والمصائب إلى العالم. تبدأ الأسطورة عندما قرر زيوس، خلق أول امرأة كجزء من خطته لمعاقبة البشرية. كان بروميثيوس، أحد التيتان، قد سرق النار من الآلهة وأهداها للبشر الذين كانوا وقتها كلهم رجال، مما أغضب زيوس. وكرد فعل على هذا العمل، أراد زيوس أن يعاقب البشرية بطريقة مبتكرة. كجزء من خطة زيوس، قام بخلق باندورا أول إمرأة وأعطاها صندوقًا (أو جرة في بعض الروايات) وأمرتها بعدم فتحه أبدًا. لكن زيوس كان يعلم أن الفضول الذي منحه لباندورا عندما خلقها سيتغلب عليها في النهاية. لم تتمكن باندورا من مقاومة فضولها، وفتحت الصندوق أخيرًا. عندما فتحته، خرجت منه كل الشرور والمصائب التي يمكن أن تصيب البشرية: الأمراض، والألم، والحسد، والجشع، والحقد، وغيرها من الشرور. أغلقت باندورا الصندوق بسرعة، ولكن الأوان كان قد فات؛ فقد انتشرت كل هذه الشرور في العالم. لكن الصندوق لم يكن يحتوي على الشرور فقط. عندما أغلقت باندورا الصندوق، كان هناك شيء واحد لم يخرج: الأمل. بقي الأمل داخل الصندوق ليمنحهم القوة على مواجهة الشرور والمصائب التي أُطلقت من الصندوق.

مثل قصة حواء، تُستخدم أسطورة باندورا لتبرير لوم النساء على وجود الشرور في العالم. تُصور باندورا كسبب لكل المعاناة البشرية بسبب فضولها وفتحها للصندوق المحرم فتحه. هذه القصة أسست لفكرة أن النساء هن مصدر المشاكل والمصائب، وهو تصور استمر عبر العصور وأثر على النظرة الاجتماعية للنساء.

محاكم التفتيش: محاكم التفتيش كانت إحدى المؤسسات التي أنشأتها الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى بهدف مكافحة الهرطقة والتجديف. تُعتبر محاكم التفتيش من أكثر الفترات ظلمة في تاريخ أوروبا، حيث تم فيها اضطهاد وتعذيب وإعدام العديد من الأشخاص بتهم تتعلق بالسحر والهرطقة. وبناء على الأساطير التي ذكرناها سابقاً وكان للنساء نصيب كبير من هذا الاضطهاد وتحملن كل اللوم على إنتشار الطاعون والأوبئه، حيث تم اتهامهن بالسحر والشيطنة. واتُهمت الآف الطبيبات الأوائل والمداويات بالأعشاب بنشر الأوبئة والأمراض، وتمت محاكمتهن وإعدامهن بشكل وحشي.

المرأة في الأساطير والأمثال الشعبية المصرية: النداهة والحَية كمثال

وبالنظر إلى سياقنا الشعبي تُشكل الأمثال والأساطير الشعبية جزءًا كبيرًا من الثقافة المصرية، وهي تلعب دورًا مهمًا في تكوين وتوجيه النظرة المجتمعية تجاه المرأة. من خلال تصوير النساء كرموز للشرور والمصائب في الأمثال الشعبية، أو ككائنات مرعبة في الأساطير، يتم تعزيز الصور النمطية السلبية والتحيزات ضد النساء. 

آمن للحية ولا تآمن للمره

هذا المثل يشير إلى أن الأفعى يمكن أن تكون أكثر أمانًا من المرأة، مما يعني أن المرأة تُعتبر أكثر خطرًا وشرًا. يتم تصوير المرأة على أنها كائن غير موثوق به.

صوت حية ولا صوت بنية

يفضل هذا المثل سماع صوت الأفعى على سماع صوت الفتاة، مما يشير إلى أن صوت المرأة يُعتبر مزعجًا أو يحمل معه المشاكل. 

الحية تخلِّف حويَّة

يشير هذا المثل إلى أن الأفعى تلد أفعى صغيرة، بمعنى أن المرأة، مهما كانت، ستنجب أخرى مثلها تحمل نفس الصفات الخبيثة والشريرة. هذا المثل يعمق فكرة تخصيص وتعميم الشر على النساء أجمعين جيلاً بعد جيل.

تحت البراقع سم ناقع

يُشير إلى أن المرأة، حتى لو كانت محتشمة أو تبدو بريئة من الخارج، فإنها تحمل بداخلها سمًا قاتلًا، مما يعزز الفكرة بأن النساء يخدعن المظهر الخارجي ويخفين نوايا شريرة.

والأمثال الشعبية ليست الوحيدة التي تسلط الضوء على النظرة السلبية تجاه المرأة في الثقافة المصرية؛ الأساطير الشعبية تلعب دورًا كبيرًا في تكوين هذه الصورة أيضاً. واحدة من أبرز هذه الأساطير هي أسطورة “النداهة”.

أسطورة النداهة

“النداهة” هي شخصية أسطورية في الفولكلور المصري، تُصور كإمرأة تظهر في الليل وتنادي باسم شخص معين. يُقال إن النداهة تمتلك قدرة سحرية تجذب الناس إليها، خصوصًا الرجال، ومن يسمع نداءها ويتبعها يُعثر عليه في اليوم التالي إما ميتًا أو فاقدًا للوعي وبعيش فى حالة من الجنون.

هذه الأسطورة تعكس مخاوف المجتمع من النساء وقوتهن المغرية. تُصور النداهة كقوة شريرة وغامضة يمكن أن تُسبب الموت أو الجنون. هذا يعزز فكرة أن المرأة مصدرًا للخطر والرعب.

هذه القصص والأساطير القديمة رسخت مفاهيم خاطئة عن النساء، وأدت إلى معاناتهن من التمييز والظلم عبر العصور. تم استخدام هذه المفاهيم لتبرير العنف ضد النساء و إقصائهن من الحياة العامة والاجتماعية. تم تصوير النساء كسبب الشرور والمصائب، مما يجعل المجتمع ينظر إليهن بعين الشك واللوم دائماً.

ولا تقتصر ثقافة إلقاء اللوم على النساء على التاريخ القديم؛ ويستمر في أشكال مختلفة اليوم. إلى إلقاء اللوم على الناجيات من العنف أو الضحايا في الحالات التى تصل إلى القتل أو حتى الإنتحار على خلفية التعرض لعنف.

لوم الضحايا في قضايا العنف

في حالات العنف ضد النساء، سواء كان ذلك عنفًا جسديًا، جنسيًا، أو حتى نفسيًا، غالبًا ما يتم لوم الضحية بدلاً من الجاني. تُطرح أسئلة مثل “ماذا كانت ترتدي؟” أو “لماذا كانت في ذلك المكان؟” كتبرير للجرائم العنيفة، مما يعكس استمرار الثقافة التي تلقي باللوم على النساء بسبب وقوعهن ضحايا أو ناجيات. وعلى سبيل المثال تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في تعزيز هذه الثقافة من خلال الصور النمطية التي تقدمها عن النساء. غالبًا ما تُصور النساء كأهداف للإغراء واللوم عند حدوث أي جريمة في حقهن. هذه التصورات تعزز الاعتقاد بأن النساء هن السبب في المشاكل التي تواجههن.

وفي العديد من الأنظمة القضائية حول العالم، نرى أن العدالة قد تكون منحازة ضد النساء. على سبيل المثال، في حالات العنف الجنسي قد يتم التعامل مع النساء بطريقة تفتقر إلى التعاطف أو الإنصاف، وقد يُلقى باللوم عليهن في إثارة أو تسبُّب الجريمة. هذا يعكس تأثير الثقافة القديمة التي كانت تنظر إلى النساء كمسؤولات عن جرائم الرجال.

ولا تزال الأنظمة القانونية والاجتماعية متأثرة بهذا التحيز التاريخي، بل وتؤدي في بعض الحالات إلى إدامة ثقافة إلقاء اللوم. وهذا لا يعيق المساواة بين الجنسين فحسب، بل يعرض حياة النساء للخطر أيضًا على سبيل المثال يحتوي قانون العقوبات المصري، على مادة حددت للقاضي جواز تبديل العقوبة المحكوم بها على المتهم في حالة الرأفة، حيث نصت المادة 17 من القانون على أنه يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة على الوجه الآتي: عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد. عقوبة السجن المؤبد بعقوبة السجن المشدد أو السجن. عقوبة السجن المشدد بعقوبة السجن أو الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ستة شهور .عقوبة السجن بعقوبة الحبس التي لا يجوز أن تنقص عن ثلاثة شهور. وبالطبع تستخدم هذه المادة للرأفة بالجناة الذكور فى حالات قتل النساء أو الشروع فى قتلهن خاصة إذا كانت الضحية على صلة قرابة بالجانى وتم قتلها أو محاولة فتلها على خلفية جريمة شرف.

وتعاني على أثرها النساء أيضًا من التحيز في مكان العمل، حيث يتم تحميلهن مسؤولية المشاكل أو الفشل في مشاريع معينة فقط لكونهن نساء. وفي حالات التحرش الجنسي في المجال العام، كثيرًا ما يتم لوم النساء على سلوك الذكور، مما يثنيهن عن التقدم بشكاوى أو طلب المساعدة.

قضية نيرة أشرف 

قضية نيرة أشرف على سبيل المثال هي جزء من نمط أكبر من ثقافة اللوم التى تواجهها النساء. في هذه القضية لم يتم فقط تبرير فعل القاتل بالتشكيك فى سلوك نيرة كتبرير لجريمته البشعة. بدلاً من إدانة القاتل ومعاقبته بشكل صارم، بل تعالت بعض الأصوات للمطالبة بالعفو عنه وتصويره كضحية على الرغم من إنه قتلها على مرأى ومسمع من الجميع. 

قضية سفاح التجمع وإستمرار لوم النساء 

ورجوعاً إلى قضية سفاح التجمع الأخيرة، فقد تم إلقاء اللوم على زوجته السابقة في تحوله إلى قاتل، وكأنها كانت السبب في أفعاله على الرغم من اعتداءه المتكرر عليها بالضرب، وتهديدها بالقتل، وتوزيع صورها الخاصة، وإرسالها لأصدقائه وزملاءه والأشخاص الذين تربطهم علاقة صداقة معهما، سعيا لفضحها وتشويه سمعتها وحرمانها أيضا من حقها في حضانة ابنها. هذا التوجه يلقى الضوء على كيف يمكن للمجتمع أن يلتمس الأعذار للجاني من خلال تحميل النساء المسؤولية بشكل غير عادل حتى ولو كُن ضحايا أو ناجيات. كذلك، نرى لومًا على النساء اللاتي قتلن بأنهن كانوا السبب في مقتلهن بسبب سلوكهن أو تواجدهن في مكان معين. وتسلط هذه القضية على مدى استمرار ثقافة اللوم. على الرغم من وجود دليل واضح على وجود مرتكب الجريمة من الذكور، فإن ردود الفعل المجتمعية لا تزال تعكس في كثير من الأحيان التحيزات الكامنة التي تشكك في سلوك الضحايا أو شخصيتهم وتضعها كتبرير للجناة الذكور . 

في هذه القضية كانت النساء اللاتى قتلن ضحايا لدوامة من الغدر و الاستغلال الذكوري، وانعكاسًا للمجتمع الأبوي الذي يعزز هذه الثقافة. هؤلاء النساء، لم يكنّ فقط ضحايا للقتل الوحشي، بل كنّ أيضًا ضحايا الفقر والاستغلال الجنسي. قبل أن يصبحوا ضحايا للقتل، تم استغلالهن من قبل السفاح وأمثاله المتورط أسمائهم في القضية، الذين قدموهن كسلع للاستخدام الجنسي والتلاعب بهن. هذه القضية تعكس بوضوح كيف يُعامل النساء كأدوات لتلبية الرغبات الذكورية، دون اعتبار لإنسانيتهن أو حقوقهن. كانت هؤلاء النساء يعانين في صمت، ويتحملن قسوة الحياة والعنف المتواصل، ليصبحن في النهاية ضحايا مرة أخرى لثقافة تلومهن على الجرائم الواقعه فى حقهن وتجردهن من حقهن في العيش بكرامة وأمان حتى بعد أن فارقن الحياة.

إن قضية سفاح التجمع هي مثال صارخ على كيف يمكن للمجتمع أن يستمر في إلقاء اللوم على النساء بدلاً من تحميل الجناة مسؤولية أفعالهم. هذه الظاهرة المتجذرة تتطلب منا جميعًا، أفرادًا ومؤسسات، أن نتكاتف لتغيير هذه المفاهيم الخاطئة والعمل على الوصول إلى مجتمع أكثر عدالة للنساء ومنع استمرار ثقافة لوم النساء على جرائم ليس لهن فيها يد. و لتغيير هذه الثقافة، يجب علينا اتخاذ خطوات مبدئية تشمل:

  1. تعزيز التعليم والتوعية: من خلال إدراج مفاهيم العدالة الجندرية في المناهج الدراسية وتنظيم حملات توعية تستهدف جميع فئات المجتمع.
  2. وجوب وضع قانون يحمي النساء من العنف والتمييز فى المجال الخاص وفي المجال العام: لضمان حماية النساء من العنف والتمييز، وتوفير نظام قضائي عادل ينصف النساء دون تحميلهن اللوم.
  3. استخدام لغة حساسة للجندر فى التغطيات الإعلامية: إن اللغة التي يستخدمها الإعلام تعكس رؤيتنا للعالم، وتؤثر على كيفية رؤية الآخرين وتقديرهم وتسهم في تشكيل وعي المجتمع وصياغة مفاهيمه حول العديد من القضايا الاجتماعية.
  4. دعم الناجيات من العنف: من خلال توفير خدمات الدعم النفسي والقانوني للنساء الناجيات من العنف،  وتسهيل إجراءات الإبلاغ وتشجيعهن على الإبلاغ عن الجرائم التى تقع فى حقهن دون خوف من اللوم أو الوصم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *