كَتبت/ شيماء طنطاوى
“انتي بتطبخي احسن مني، انتي تنضيفك أفضل، انتي اشطر في الترتيب، انتي لما بترتبي الدولاب بيبقى اروق، انا مبحبش اغسل مواعين، أنا مبعرفش أشغل الغسالة، والغسيل لما بتنشريه بيبقى كأنه مكوي، أنا بساعدك في البيت لما بتطلبي مني .. اي حاجة عايزاها اطلبيها مني وانا هعملها”
هذه العبارات ومثيلاتها أسمعها دائماً من صديقات يتحدثنّ عن علاقتهنّ مع شركائهنّ. وعشت مع عبارات وسلوكيات شبيهه أياماً عديدة مع أسرتي تحديداً اخوتي الذكور ” دي وظيفتك انتي، البنت هي اللي مسؤولة عن تنضيف البيت مش الولد، الناس تقول عليا ايه لو دخلوا لاقوني بمسح البيت أو بكنسه؟، ريحي ماما شوية وشيلي معاها” . ولكن بمنزل العائلة الأمر مختلف فأنا جزء من تنفيذ المهام اليومية المسئولة من أمي بشكل أساسي.
“إذا أرادت امرأةٌ أن تكون كاتبة فعليها أن تملكَ مالًا كافِيًا وغرفة تخصها وحدها” فيرجينيا وولف “غرفة تخص المرء وحده”
لم يعد المال والغرفة الخاصة كافية كي ترحم النساء اللاتي يعشنّ مع شركائهنّ من العبء المزدوج الواقع عليهنّ. عبئ العمل مدفوع الأجر والعمل المنزلي، والذي يُطلق عليه أيضاً ( اليوم المزدوج أو نوبة العمل الذانية أو الخدمة المزدوجة)، أو كما أحب أن أطلق عليه “عبء الخاص والعام”.
“ويٌعرف العبء المزدوج على أنه: عبء العمل الواقع على الأشخاص الذين يعملون لكسب المال، في حين أنهم مسؤولون أيضاً عن مقدار كبير من العمل المنزلي الغير مدفوع الأجر. تٌعرف هذه الظاهرة باسم نوبة العمل الثانية كما ذكرتها أرلي هشايلد في كتابها الذي يحمل نفس الاسم. في العلاقات التي يملك فيها الشريكان وظيفة مدفوعة الأجر، حيث غالباً ما تقضي النساء وقتًاً أطول بكثير من الرجال في الأعمال المنزلية والرعاية كتربية الأطفال أو رعاية المرضى من أفراد الأسرة. لعبت الأدوار التقليدية للجنسين التي قبلها المجتمع بمرور الزمن دورًا كبيرًا في الوصول لهذه النتيجة.”
وعبرت الأستاذة “م”، ( سيدة ثلاثينية، عاملة، متزوجة، وأم لطفلة حديثة الولادة، من طبقة اجتماعية متوسطة، كانت مستقلة اقتصادياً واجتماعياً بعيداً عن أسرتها قبل الزواج)، عن ما هو العبء المزدوج بالنسبة لها؟، كانت إجابتها كالآتي:
“شغل البيت كله، أي حاجة متعلقة بوجودي في البيت، لإن حتى لو مش انا اللي هعمل الحاجة، بس أنا اللي هقرر هتتعمل امتى وازاى. التفكير في حد ذاته ده مرهق، مبيخلنيش أقدر أفصل أصلاً، يعني مثلا لو انا النهارده فاصلة من كل حاجة، طيب ما هو ماشي بس الحاجات هتمشي ازاي؟، مابتمشيش”.
العبء المزدوج مهام تنفيذية قبل الزواج ، ومهام إدارية وتنفيذية بعده:
في حياتنا كنساء قبل مرحلة الارتباط ربما نعيش مع العبء المزدوج في شكل مهامه التنفيذية بشكل مباشر، فأنا كفتاة لست المسؤولة عن المنزل بل الأم هي المسؤولة بشكل أساسي ” مع الأخذ في الاعتبار أن الأخت الكبرى أحياناً كثيرة تؤدي دور الأم”، وما يجعل الأمر مرهقاً هو أننا نؤدي هذا الدور عنا وعن اخواننا الذكور في معظم البيوت المصرية، فإن الأخ الذكر كما يراه المجتمع ويُحدد مسئولياته وامتيازاته هو حر طليق “خٌلق لكي يذاكر دروسه بجهد ويتغذى جيداً ويخرج مع أصدقائه ويستمتع بوقته الذي يملكه” بينما الفتاة\ الأنثى كما يراها المجتمع “مكانها المنزل خٌلقت كي تتقن المهام المنزلية حيث مصيرها النهائي هو أن تكون زوجة وأم مسئولة عن منزل آخر، فلا مانع من أن تدرس وتجتهد وتتذكر دروسها وتنجح، ولكن بجوار هذا الدور الدراسي لابد من تلبية الدور المنزلي أو جزءاً منه”.
أما بخصوص المهام التنفيذية والإدارية ما بعد الزواج، فدعونا نتطرق إلى تفاصيل هذا العبء المزدوج، والذي نود أن نٌعرفه هنا بأنه ليس فقط العبء الجسدي الناتج عن الأعمال المنزلية فحسب، ولكن العبء الذهني والنفسي الملازم للنساء من تخطيط وترتيب وإدارة المنزل، فالمشكلة لا تكمن فقط في المهام التنفيذية الخاصة بالمنزل من أعمال يومية مثل تنظيف المنزل وترتيبه وطهي الوجبات وغسل الأواني … الخ. والذي ربما يٌساعد فيه بعض الرجال الآن بنسب ضئيلة، حيث نجد العديد من الشركاء يقومون بعمل بعض المهام المنزلية بشكل “كاجوال” من حينِ لآخر . ولكننا نجد أنفسنا كنساء نقع أمام عبء ثالث وهو ما لا يفهمه الشركاء بشكل واضح وصريح ” العبء الذهني”؛
العبء الذهني المعرفي طبقاً لأخصّائيّةُ علم الاجتماع مونيك هيكولت والتي تحدثت عنه أوّلَ مرّةٍ سنة 1984 وعرّفتْه كالآتي: “إنّه اضطرارُ الفرد إلى التفكير في مجالٍ أو أمرٍ معيّنٍ عند وجوده جسديًّا في مجالٍ آخر”. وقد ارتبط المفهومُ في البداية بتداخل الحيّزين: العام والخاص أو العملي والشخصي.
وعبرت أ\م عن الفرق الذي عاشته فيما يخص العبء المزدوج قبل الزواج وبعده فقالت:
“كان في عبء مزدوج قبل الجواز لاني كنت مستقلة وعايشه مع شركاء سكن، فا كان لازم أعمل مهام أشارك في البيت بيها، بس عمره ما هيبقى زي الجواز، لأن قبله كانت الحاجات متقسمة بالتساوي بالظبط. بالنسبة للأكل كمثال قبل وبعد الجواز “قبله سواء أكلت أو مكلتش دي حاجة ترجعلي، لكن دلوقتي فيه طفلة لو ماكلتش مفيش حد غيري يأكلها، لو اتفقنا هنطلب أكل أنا وجوزي يبقى أنا اللي هطلبه عشان هو هيجي يسألني ناكل ايه” – “التنضيف: حتى لو مش هننضف بنفسي، وهجيب حد ينضف فهيبقى انا اللي عليا عبء اني اجيب حد يساعدني في التنضيف، وافضل قاعدة جنبها وهي بتنضف، فا برضو انا مربوطه بالحاجة حتى لو مش بعملها بنفسي”.
هنا دعونا نطرح هذا السؤال للنساء العاملات وتحديداً الأمهات ” كم مرة تتواجدنّ في عالمين مختلفين بذات الوقت؟، كم مره تحملتنّ هم وعبء وثقل المنزل والعمل بذات الوقت؟، كم مرة باليوم تفكرنّ بالمنزل وإدارته وشؤونه في أثناء تواجدكنّ بالعمل؟، كم مرة تقمنّ بإنهاء مهام فعلية تتعلق بالمنزل وأنتنّ بالعمل؟”
العبء الذهني كتعريف هو يشمل النساء والرجال بمختلف تنوعاتهم\نّ العمرية والاجتماعية والثقافية والمادية، ولكن النساء معنيات تحديداً بـ ” العبء الذهني المعرفي المنزلي”.
لهذا تنهار النساء:
دعونا نتخيل صورة “مشرقة للسياق المصري “منزل مصري مكون من الشريك والشريكة وطفلين، الرجل والمرأة يعملان، والشريك هنا متعاون ولا يرفض طلب المساعدة الذي تطلبه الشريكة، ولكن ينتظر دائماً أن يُطلب منه. هذا الرجل ينظر إلى شريكته على أنها “مديرة المنزل” وأنها منطقياً هي المسؤولة عن المنزل وإدارته. لقب مديرة المنزل هو لقب مميز جداً. في مصر نٌطلق عليه “بيتك مملكتك”، بالطبع النساء فقط هنّ من يٌقال لهنّ ذلك. ولكن خلف هذا اللقب الجذاب الذي يمنح في معناه أن الأنثى هي الأولى في المنزل، هو بالأساس يُحمّل النساء المزيد من الأعباء، حيث أنه عبء غير مرئي.
لا أحد يحسب الزمن الذي يمر والنساء تٌفكر في الأعباء المنزلية، لا أحد يرى الشريكة أو الأم وهي تبذل المجهود الذهني في التفكير في ميزانية الشهر وما يتطلبه ذلك في ظل الوضع الاقتصادي المتفاقم في مصر من البحث عن أقل سعر وأفضل جودة، والمقارنة بين العديد من الأماكن للحفاظ على نفس الميزانية أو أكثر قليلا، وما يحتاجه المنزل من لوازم الطعام والنظافة، صحة الأطفال وتربيتهم وتعليمهم، ومتابعة دراستهم وتفوقهم، والتأكد من كل ما يخص أمان المنزل …. الخ من أعباء إدارية تقع على عاتق الشريكة.
فلا يُمكن أن ننظر للأمر على أنه مجرد طلب تطلبه الشريكة من شريكها بشكل بسيط. للأسف الأمر ليس بهذه البساطة بل هو أكثر تعقيداً مما يُرى. هناك عدة أفكار متداخلة تدور بأذهاننا ربما بشكل واعي أو بشكل لا واعي. الأفكار النمطية التي تربينا ونشأنا معها، وهي الدور التقليدي “القالب النمطي” الذي يقوم المجتمع برسمه للنساء، فيبني توقعات داخلنا وخارجنا مفادها أن الأنثى هي المسؤولة بشكل أساسي عن المنزل، وأن أي إخفاق “من وجهة نظر المجتمع” بالطبع الأنثى\ المرأة “سواء كانت شريكة أو أم” هي المسؤولة عنه. جزء من هذا الدور تم ترسيخه بداخلنا ويصعب التخلص منه. التقسيم الجنساني للعمل وجعل الأعمال المنزلية كاملة هي عبء تحمله النساء دائماً، مما يُعيق تقدمهنّ أحياناً أو يجعله تحدي كبير أحياناً أخرى. وبالطبع هذا التقسيم الغير عادل لحياة النساء كاملةَ يٌسهل في ازدياد الفجوة النوعية بين الذكور والإناث، فالرجال يخرجون للعمل، يجنون الأرباح ويصبون كامل تركيزهم على حياتهم المهنية. بينما تخرج النساء للعمل بنصف تركيز، وتعود لاستكمال الأعمال المنزلية، ليُصبح هذا هو نظام حياتهنّ الأساسي. لذلك تنهار النساء “ليس فقط لأن شريكها لم يقم بمساعدتها في حمل الأواني بعد الغداء وإدخالها إلى المطبخ، أو لم يقم بضغط زر الإشغال لتقوم المغسلة بغسل الملابس”.
كم مرة شعرتِ بالفشل في تنفيذ بعض مهام العمل؟، أو بأنك شريكة\أم غير جيدة كفاية، حينما تأخرتي عن طهي الطعام أو غسل الملابس أو المذاكرة لأبنائك؟
وقالت “م” في هذا السياق: “بحس بالذنب لو أخدت وقت افصل فيه، ده لو أخدت وقت. يعني لو بقضي وقت لنفسي بس بحس بالذنب، وأقول طيب مين هيعمل الأكل، طيب احنا هناكل أيه أصلا النهارده لو انا مش هعمل، طيب انا اللي هطلب الاوردر برضو لو انا مش هعمل، انا اللي بفكر دايما. يعني حتى لو انا مش هعمل الحاجة لازم أفكر في الحاجة واطلب من جوزي يعملها، فا ده نفسياً طول الوقت بيخليني مش عارفه أفصل أصلا”.
العبء المزدوج في المجتمع المصري بالأرقام:
صرحت وزارة التضامن الإجتماعي أن نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة في مصر، بلغت نحو 18.6% وفقًا لآخر إحصائيات البنك الدولي العام الماضي 2021، مشيرة إلى أن نسبة السيدات اللاتي يعملنّ في القطاع غير الرسمي وصلت إلى نحو 58%، فيما وصلت نسبة السيدات اللاتي يعملنّ مقابل عائد نقدي وفقا للمسح الصحي للأسرة المصرية إلى 17 % لعام 2022، بالمقارنة مع 14 % في عام 2014. وهناك نحو 30 % من السيدات بسوق العمل يعملنّ بقيمة عمل غير مدفوعة الأجر من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وطبقاً لدراسة أنتجتها “مؤسسة المرأة الجديدة” في مصر، عام 2015 بعنوان: تقدير قيمة العمل المنزلي غير المدفوع للنساء في مصر. تُفيد الدراسة، التي شملتْ 12 ألف أسرة، بأنّ متوسّط ساعات العمل المنزلي غير مدفوع الأجر للنساء المتزوِّجات يُقدَّر بنحو 37.27 ساعةً في الأسبوع، مقابل 13.80 ساعةً لغير المتزوّجات. إذًا، تعمل المتزوِّجة، في المنزل فقط، 37.27 ساعةً في الأسبوع، أيْ ما يعادل عملَ 7 ساعات يوميًّا، 5 أيّام في الأسبوع، من دون أجر! (انتبهوا: هذا هو الزمنُ الذي استغرقه الإنجازُ فقط، أيْ من دون احتساب زمن التفكير والتخطيط). وبحسب الدراسة ذاتها، يُقدّر عملُ الرجل المنزليّ أسبوعيًّا بـ 4.19 ساعة في الأسبوع.
وبالحديث مع أ\ منى عزت ” الاستشارية في قضايا التمكين الاقتصادي والنوع الاجتماعي“، وضحت لنا من خلال مقابلة هاتفية، أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة يقوم بإنتاج إحصائيات متعددة حول قضايا النساء والتمكين الاقتصادي، ولأول مرة تنشر مصر “موزانة الوقت” ترصد ساعات العمل للنساء والرجال داخل المنزل، حيث تم هذا الإصدار لمرة واحدة عام 2015. تعتمد تلك الإصدارات الإحصائية على بحث العمالة بالعينة، حيث يتم اختيار عينات ممثلة من مختلف المناطق الجغرافية داخل جمهورية مصر العربية، مع مراعاة التنوع الجغرافي لتمثيل الريف والحضر، وتنوع التركيبة السكانية، والتعليم، حيث يتم مراعاة أن تكون العينات عنقودية تمثيلية معبرة عن المجتمع. تلك الإحصائيات تكون بالأساس كمية فقط، ولا يتم تحليلها بشكل نسوي أو اجتماعي. ويكون دور منظمات المجتمع المدني وتحديداً المنظمات النسوية في تحليل تلك الأرقام بشكل نسوي.
صرحت الباحثة النسوية منى عزت من خلال خبرتها في التعامل مع النساء من مختلف الثقافات والفئات الجغرافية المختلفة أنه ” الاتجاه السائد فيما يتعلق بالنساء اللاتي لديهنّ نشاط اقتصادي، يرون أن الأعباء المنزلية وأعمال الرعاية للنساء، يوجد تأنيث للأعمال المنزلية في المجتمع. وهذا هو الاتجاه الأكثر رواجاً بين النساء اللاتي تعملنّ بأجر. ولكن توجد تباينات داخل هذا الاتجاه كالآتي:
- هناك فئات من هؤلاء النساء يرين أن تلك الأعمال المنزلية هي أعمال للنساء فقط ولا يصح أن يقوم بها الرجل. وتلك الفئة ليست لديها مانع من العمل ما بين 12 ل 16 ساعة، ويرون ذلك أمر طبيعي.
- في حين أن هناك فئات أخرى من تلك النساء يأملنّ أن يتغير هذا الوضع، ويستطيع الزوج أن يُساعد في بعض الأعمال المنزلية وأعمال الرعاية.
- وهناك فئات اجتماعية أخرى تمر بظروف صحية معينة تٌحتم على الزوج المساعدة في المنزل بحكم مرض الزوجة، أو ظروف اجتماعية مختلفة مثل أن الزوج لديه الرغبة أو الميل في المساعدة في بعض الأعمال التي يٌحب أن يقوم بها.
ولكن كل ذلك يتم بحدود، وهذا الوضع يحدث بعد عدة تدخلات من المنظمات النسوية، والتغيرات المجتمعية الكبيرة التي حدثت نتيجة لثورة 25 يناير. كما أن هذه التغييرات أيضاً تعود لأن بعض أعمال الرعاية والأعمال المنزلية تلك أصبحت أعمال داخل سوق العمل بأجر ” مثل الدروس الخصوصية – دور الحضانة – عاملات المنازل – صفحات توفير الطعام ” توافر تلك الأعمال بالسوق قام بتخفيض بعض الأعباء المنزلية على النساء وخصوصاً داخل الأسر ذات القدرة المالية الجيدة أو التي تستطيع توفير جزء من دخلها لتلك الأعمال.
كما يٌمكننا أن نرى أن التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي بين فئات المجتمع المختلفة، والانفتاح على العالم الخارجي في العالم كله، قام بعمل خلخلة داخل تلك الفئات السابقة التي تؤمن بتأنيث الأعمال المنزلية وأعمال الرعاية.
كما أوضحت “عزت” أنه ” أثناء المناقشات مع النساء يوضحنّ أنهنّ يقمنّ ببذل جهد واضح وكبير للعمل داخل وخارج المنزل، ولكن وعيهنّ بهذا المجهود لا يجعلهنّ يتخذنّ قرار بطلب المساعدة من الزوج، وترى “عزت” أن هذا الوعي بالجهد النفسي والجسدي الواقع على هؤلاء النساء خطوة ولكن تحويل هذا الوعي إلى خطوة أكبر مثل المناقشة مع الزوج حول تلك المسئوليات والأدوار وتوزيعها هو وعي آخر وخطوة أكبر لتحويل الوعي إلى سلوك. وهذه الخطوة لا تستطيع جميع النساء إتخاذها خاصةً أننا نشأنا وتم زرع قيم معينة خاصة بالأدوار والقوالب الجندرية التي يرضى عنها المجتمع من ناحية، وقدرة النساء على مواجهة تلك الأوضاع التي ربما تؤدي إلى صدام ينتج عنه هدم المنزل والوصول للطلاق. خاصةً في ظل ثقافة مجتمعية ترى أن النساء اللاتي يتسطعنّ العمل داخل وخارج المنزل هنّ نساء قادرات قويات، وغياب أي خطاب مجتمعي مختلف، مما يضطر النساء للتأقلم مع هذا الوضع إلا من رحم ربي.
أوضاع النساء العاملات داخل المنزل فقط في حالات الانفصال والخروج خارج منظومة الزواج:
وضحت ” عزت” أن قرار الإنفصال في حد ذاته يأتي بعد مرور هؤلاء النساء بالعديد من الظروف الأسرية القاصية، وفي الأغلب لا تأخذ النساء الغير عاملات قرار الإنفصال إلا بعد المرور بأنواع مختلفة من العنف النفسي والجسدي داخل الأسرة. كما وضحت ” عزت” أنها من خلال عملها المستمر مع النساء رأت أن قرار الإنفصال هو قرار غير مرحب به من قبل المجتمع، ولا تجد النساء اللاتي تأخذنّ مثل هذا القرار دعم من أسرتها الأكبر أو المجتمع، بل على العكس. كما ـن النساء اللاتي يسكنّ بمناطق شعبية ومناطق أكثر فقراً تجدنّ صعوبة في خروجهنّ للعمل بدون استباحة أو وصم أو تمييز او عنف من المجتمع المحيط. لذلك أحياناً تكون منظومة الزواج هي الحماية لهؤلاء النساء في الخروج لسوق العمل.
خروج النساء المطلقات لسوق العمل بعد فترة طويلة من عدم التعامل مع سوق العمل وتحملهنّ لتلك الأعباء الاجتماعية والمادية يحدث بالتأكيد نتيجة مرور هؤلاء النساء بوضع لا يٌحتمل مع الزوج. ويصبح دخول هؤلاء النساء لسوق العمل مرة أخرى تحدي صعب وكبير عليهنّ، وفي الأغلب يعملنّ هؤلاء النساء في أعمال رعاية أو أعمال منزلية حيث أن تلك الأعمال هي أكثر الأعمال التي يعرفنّ تقنياتها بشكل جيد، كما أن هذا العمل الذي يتم من المنزل في الغالب ويتم الترويج له من خلال التسويق الاليكتروني يحد من تدخلات المجتمع بحياتها واستباحتها أو وصمها.
هل يُمكن اعتبار العبء المزدوج\ العبء الذهني نوع من أنواع العنف الأسري؟
تنهار النساء العاملات في المجالين العام والخاص معاً، تنهار جسدياً أحياناً ونفسياً أحياناً أخرى، والتعب الجسدي والنفسي في الأغلب مترابطان. حيث أن الجهد الجسدي الذي تبذله النساء يومياً في العمل المنزلي بالإضافة للعمل العام هو بمثابة “نوبة عمل ثانية”، تخيل نفسك تعمل كل يوم دوامين للعمل، وفي أيام الإجازات تعمل بدوام واحد فقط!. وتخيل أن دوام عمل منهما هو دوام كامل مدى الحياة، فإدارة المنزل عمل لا يتوقف!. ولا تنسى أن العمل المنزلي هنا هو عمل بدون أجر!. بعدما تخيلت هل يٌمكن اعتبار هذا التمييز الواقع على النساء فقط لكونهنّ وٌلدنّ إناثاً في مجتمع أبوي، نوع من أنواع العنف الأسري؟
أنا فقط أطرح تساؤلات منطقية، ربما تطرحها العديد من النساء في أنفسهنّ أو في العلنّ ويتم تجاهلهنّ، أو مواجهة أسئلتهنّ باستخفاف وتنمر.
فإن المجهود الجسدي الذي يُمكن الاستراحة منه أحياناً، هو جزء من عبء أكبر. فماذا عن المجهود الذهني الدائم؟! ماذا عن الصورة الذاتية المرتبطة بكوننا لا نُحقق المعادلة، ونُصبح نساء ناجحات بعين المجتمع إلا عندما يكن لدينا عائلة جميلة نظيفة ناجحة؟!. يتفاقم ويتصاعد الوضع بمرور الزمن ليٌصبح مقاومة ذاتية تعيشها النساء حول الصور الذاتية الخاصة بهنّ.
متى خطرت ببالكنّ أسئلة من نوعية ” هل أنا امرأة ناجحة”؟، لماذا أشعر دائماً بالتقصير والذنب؟، ما الذي يتطلبه الأمر كي أشعر بالراحة؟ متى آخر مرة استطعتِ فيها أن تستقطعين وقتاً لنفسك؟، متى آخر مرة استطعتِ بها أن تُصفي ذهنك؟، متى آخر مرة استطعتِ فيها الكتابة أو الرسم أو مارستِ بها هواية تٌحبينها؟
هذ الجهد الجسدي والذهني الدائم هو سبب أساسي في الشعور بالإرهاق الدائم والذي يخرج في هيئة أمراض نفس جسدية، أمراض مرتبطة في الأغلب بالنساء في مجتمعنا مثل ” الصداع النصفي – الآلام الجسدية الغير معلوم أسبابها – إضطرابات القولون العصبي – تساقط الشعر … الخ ” والأمراض النفسية مثل ” القلق المزمن – التوتر – الخوف – فقدان الثقة بالنفس – النسيان المتكرر أو مشاكل الذاكرة – الاكتئاب … الخ”
كيف نتخطاه؟
أنا حقاً أشعر بالإحباط الشديد حيث أنني خلال بحثي لكتابة هذا المقال لم أجد مقترحات لحلول أو للتعامل مع الأمر بشكل يخفف من حِدة هذا الدور على النساء. ولكن وجدت بعض النصائح فقط للنساء!. وبالرغم من ذلك مازال لديّ بصيص أمل ربما يتحقق يوماً ما!.
ولكن عبرت أستاذة “م” عن بعض النصائح التي تحاول أن تمررها لذاتها والأخريات فقالت ” أي حاجة تريح الست تعملها. أي أجهزة نقدر نشتريها للبيت تريحنا في شغل البيت نعمل كده. أي مهام ممكن تريح الست تتعمل زي مثلا : “نودي الهدوم تتكوي عند المكوجي – نودي السجاد يتغسل في المغسلة” – وإن من وقت للتاني الست تاخد وقت لوحدها، محدش يطلب منها حاجة”.
بعض النصائح التي ربما تُساعد في تخفيف وطأة العبء المزدوج على النساء:
- رتبي أولوياتك حسب ما ترغبين به وليس ما يرغبه المجتمع منك.
- اجعلي لنفسك وقت، شهريا على الأقل، ومع الوقت ربما يُصبح اسبوعياً أو يومياً.
- تحدثي مع شريكك، لا تدعي الأفكار والمشاعر المتعلقة بالعبء المزدوج تلتهمك من الداخل.
- علمي أطفالك أن المهام المنزلية مشتركة، وأن المجتمع هو المعيوب لأنه يضع هذا العبء على نوع اجتماعي واحد فقط.
- لا تضغطي نفسك بمهام يٌمكن عدم عملها، ولكن المجتمع يُلزمك بها ليرضى عنكِ.
- ضعي قائمة بالمهام المنزلية، قومي بتقسيمها على أوقات متفرقة، بما يسمح لكِ بالاستمتاع بوقتك الخاص.
- اجعلي قائمة المهام بينك وبين شريكك، وتحدثي معه وإن أدعى أنه لا يٌجيد عملها، سوف يتقنها مع الوقت.
- لا تضعي الكثير من التوقعات على تنفيذ شريكك لتلك المهام، ولكن ضعي له وقت محدد لتنفيذها، وذكريه به.
و تذكري عزيزتي أن صحتكِ النفسية والجسدية هما أساس وجودك\ استمرارك في الخاص والعام. وأن تلك الأيام التي تمر هي حياتك، استمتعي بها واشعري بالامتنان، والفخر، والثقة بنفسك!
أرى أن للدولة دور أساسي ومهم في القضاء على التمييز والعنف الواقع على النساء نتيجة هذا العبء المزدوج، من خلال سن قوانين تحد من العنف والتمييز الواقع على النساء بالمجال الخاص، وتشريعات وسياسات تٌنظم عمل النساء الغير مدفوع الأجر. ثم يأتي الدور المجتمعي والذي يشمل دور الثقافة والفن والإعلام. حيث أن تغيير\ رفع الوعي وتكسير الصور النمطية التمييزية هي الخطوة الأولى في النهوض بالمجتمعات والقضاء على الظلم\ التمييز الواقع على النساء. والوعي المجتمعي مسؤول عنه أفراد المجتمع – مؤسساته بمختلف أنواعها وأدوارها.
حيث أن الحقوق تٌنتزع، وفي مجتمعاتنا الشرقية الأبوية، القائمة بالأساس على القوالب النمطية الخاصة بالنوع الاجتماعي، وتقسيم العمل الجنساني. للنساء دور، وللمجموعات النسوية دور أيضاً في التوعية والدعم.