في إطار حملة #وأد_منزلي
كتبت/ هبة النمر
من المفترض أن يكون الشرف صفة تمس الروح والأخلاق، ولا تتعلق بالنوع الاجتماعي أو بالجسد. لكن في مجتمعنا الشرقي بوجه عام والمصري بوجه خاص، يتعلق الشرف بأجساد النساء فقط، فشرف النساء في أجسادهن، وشرف الرجال في أجساد النساء المحيطة بهم، ومهمة الرجال الأساسية هي الحفاظ على هذا الشرف، من خلال الحفاظ على أجساد النساء، إما بالتضييق على حريتهن في التنقل، وإما بالحبس المنزلي، وإما بالتلصص على حياتهن الاجتماعية والتحكم فيها بشكل مباشر، وأحيانًا بالقتل على خلفية هذا الشرف.
ولا يرتبط القتل على خلفية الشرف بغشاء البكارة، بل إنه ممتد ويرتبط بأي محاولة يراها الرجل تهديدًا، قد يؤدي إلى فقدان هذا الغشاء. وبمجرد أن يشك الرجل في احتمالية حدوث ذلك، يقوم بتقديم المرأة كقربان لإله الشرف.
يرتكب الرجال جريمة القتل في حق النساء في تلك الحالات، بسبب الخلل الموجود في مراكز القوى المجتمعية وثقافة التمييز القائمة على النوع الاجتماعي، مما يُرسخ المفهوم الذكوري السائد، بأن أعضاء النساء التناسلية هي ملكية خاصة لأفراد أسرتها من الذكور، وتمتد الملكية أحيانًا إلى رجال العائلة كلها، إلى أن تتزوج فتؤول ملكية أعضائها التناسلية إلى الزوج.
النساء لا سلطة لهن على أجسادهن هكذا تربين منذ الصغر؛ تربين على أن هذا الجسد للرجال فقط، لا يزيننه إلا لهم، لأن المرأة إذا تزينت واهتمت بجسدها، فهذا يعني أنها تفعل ذلك من أجل رجل ما وليس لنفسها، مما يثير الشكوك في تصرفاتها ويجعلها مهددة بالقتل من أحد أفراد عائلتها.
ولأن الرجال في هذه المجتمعات تسقط عنهم الامتيازات الذكورية، ولا يُنعَتون بالرجال إلا إذا كانوا مُسيطرين على أجساد الإناث المحيطة بهم، لأنه من دون هذه السيطرة يُوصَمون ويهبِطون إلى مرتبة النساء التي بالطبع يعتبرونها مرتبة أدنى من مرتبة الرجال. وفي الحقيقة، فهي معركة رجال في مواجهة رجال، بينما تدفع النساء الثمن من حريتهن وأرواحهن.
وبناءً على هذا المفهوم، نرى العديد من حالات القتل على خلفية الشرف، يتم فيها تكريم القاتل اجتماعيًا، لأنه انتصر لشرفه ومارس هذا الدور ببطولة. كما تخدمه فلسفة التشريع المبنية على هذه المفاهيم الذكورية، فاستخدام لفظ جريمة شرف يُعطي القاتل مبررًا لجريمته ويُدين الضحية، ولذا يتم تخفيف الأحكام الجنائية لهؤلاء القتلة استنادًا إلى المادة 17 من قانون العقوبات المصري التي تنص على أنه «يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة بتبديل العقوبة.»
ورأفة القاضي في هذه الأحوال تنزل بالعقوبة الأشد إلى العقوبة الأخف، وتُستخدَم الرأفة في النزول من عقوبة الإعدام إلى عقوبة السجن المؤبد أو السجن المشدد، ومن عقوبة السجن المشدد إلى عقوبة الحبس.
أما عن قتل الزوج لزوجته، فالوضع أسوأ في العقوبة بحسب المنصوص عليه في القانون بشأن الزنا، إذ ينص على أن «عقوبة قتل الزوج لزوجته عندما يتعلق الأمر بجريمة شرف هي الحبس»، أي أقل من ثلاث سنوات إذا تم القتل في حالة التلبس. وهنا ترسخ القوانين إلى التمييز لصالح الرجال، على حساب النساء اللاتي يواجهن العقوبة كاملة من دون العذر والتخفيف الذي يتمتع به الرجال الذين يملكون وحدهم مهمة الدفاع عن الشرف بقتل النساء.
ولحماية النساء من هذه الجرائم، يتطلب الأمر:
أولًا: وضع قانون يحميهن من العنف داخل المنازل، لأن ذلك سيساعد بالفعل على عدم تصعيد العنف إلى حد القتل، خاصةً إذا تمت حمايتهن من جميع أشكال العنف من البداية، وسيُردَع مرتكبو هذه الجرائم، إذا تم عقابهم على العنف بأشكاله كافة، وسيحقق ذلك الحماية الاجتماعية اللازمة للنساء.
ثانيًا: عدم استخدام القضاة للرأفة في تخفيف الأحكام الخاصة بجرائم قتل النساء على خلفية الشرف.