كتب/ طارق مصطفى
من قال أن قانون الأحوال الشخصية فوق المحاسبة؟
مدة المشهد ربما لا تتجاوز الدقائق الثلاث على شاشة التليفزيون، يمكنك أن تتجاهله ولكنك لن تستطيع بسبب إيقاعه السريع المؤلم. (فاتن) في انتظار زوجها لكي تطلب منه مساعدة صديقتها في البحث عن زوجها فينتهي بها الامر تتلقى علقة ساخنة منه لأنها (سخرت) من رجولته. مرة أخرى، المشهد مدته لا تتجاوز الدقائق الثلاث ولكنه قال ما حاولت نساء مصر أن تحكيه مرارا وتكرارا دون جدوى، عن العنف، عن الكسرة وعن نفس الإحساس بالعجز في مواجهة منظومة تتخذ من قانون الأحوال الشخصية واجهة وتتخذ من ميراث الأبوية الفاسد قلعة تقتل على أبوابها أصوات النساء التي مازالت تقول لا. يمكنك الهرب من صوت فاتن وهي تصرخ هاربة من ضرب زوجها لها. لقد حاولت الهرب من صوتها ولكني لم أستطع الفرار من صوت أمي وغيرها من النساء اللائي عندما فشلن في الحصول على العدل داخل منظومة الزواج والطلاق في مصر، استسلمت أجسادهن للأمراض المزمنة عساها أن تخفف عليهن وطأة الألم النفسي الذي يترتب على سنوات من الحياة وجها لوجه مع العنف.
عدد الحلقات التي تم عرضها حتى الآن من مسلسل (فاتن أمل حربي) لا يتجاوز الخمس حلقات، وبقدر ما تحمله تلك الحلقات من ألم الا أن في كل حلقة أجدني مثل كثير من المشاهدات المصريات أصفق بحرارة ل (فاتن). أصفق لها وأنا أتمنى ألا تصمت أبداً. صفقت لها عندما ذهبت تبحث عن فتوى تمنحها حق الولاية على بناتها إذا تزوجت مرة أخرى ولم تترك مكتب الفتوى قبل أن تبرهن على أن رحمة الله وعدله شيء وفتاوى المشايخ الرجال شيء اخر. صفقت لها عندما وقفت في المحكمة رافضة أن تعتذر, ولم تعتذر؟ لأنها قالت أن قانون الأحوال الشخصية ظالم؟ أو ليست هذه هي الحقيقة؟ أو لم تحارب الحركة النسوية المصرية على مدار قرن من الزمان ضد هذا القانون الذي يأبى الا البقاء رغم أنف النساء وحقوقهن وحقوق أطفالهن. لست خبيرة قانونية ولست بصدد الحديث عن قانون الاحوال الشخصية وانما أنا هنا للتحدث عن (فاتن أمل حربي). عن شخصية درامية تثبت حقيقة بسيطة للغاية. في مصر ملايين مثل (فاتن)، قادرات على التحدث بفصاحتها، بقوتها، وثباتها ولكنهن مثل فاتن لم يجدن من يؤمن بأن لديهن من الحجج ما يرد على أعتى الحجج القانونية التي ساقتها جيوش من المحامين (أغلبهم رجال) لسنوات في المحاكم المصرية فقط لإثبات أن في ظهر كل رجل مصري معنف، محامي مثل محامي (سيف) قادر على اعادة رجولته اليه حتى ولو على حساب ارادة طليقته وبناته. المفارقة أننا كلما تصورنا أن آمال النساء في قوانين أحوال شخصية أكثر عدلاً أصبحت قريبة، نكتشف أن القانون الاثري الذي يحكم حتى الان أشبه بأب له ملايين من الورثة الرجال الذين يهبون لنجدته كلما شعرت رجولتهم بالخطر.
(فاتن أمل حربي) مسلسل يثبت أن قضايا النساء ليست في حاجة لانتاجات بالملايين، وليست في حاجة لحبكات درامية خزعبلية تحارب فيها النساء بعضها البعض طمعا في نيل رضا الرجال. (فاتن أمل حربي) مسلسل يثبت أن نساء مصر لا يعشقن النكد وإنما يشعرن بالتمكين كلما قالت (فاتن) جملة عجزت احداهن عن قولها في بيتها أمام زوج معنف، أو في بيت أهلها أمام آباء وأمهات تخبرهم بأن يتحملن (عشان المركب تعدي)، أو في محكمة أمام قاضي أقنعه محامي بأن موكله عاجز عن دفع نفقات لطليقته وأبنائه. نساء مصر لا يعشقن النكد ولكنهن أيضا مللن من الظلم. وفي اللحظة التي باتت فيها (فاتن أمل حربي) جاهزة لاعلان الحرب على قانون الاحوال الشخصية أدركن أنها لحظتهن هن أيضاً وأصبحن جاهزات للحرب، فالقوانين أيضا من الممكن أن تصبح عدو إذا فقدت معناها وأصبحت أداة بطش في وجه مجتمع سيتعلم كيف ينصت إلى نساء (فاتن أمل حربي).