القتل ليس الجريمة الوحيدة في هذه الواقعة: تعرفوا على من كان يمكنهم إنقاذ (نيرة أشرف)

كتب/طارق مصطفى : كاتب وباحث في قضايا العنف المبني على النوع الاجتماعي / متطوع فى مؤسسة براح آمن

نعم، هناك من كان يمكنهم إنقاذ (نيرة أشرف) من الجريمة البشعة التي افقدتها حياتها، بل أن نفس هؤلاء الأشخاص مازال بامكانهم انقاذ نساء وفتيات كثيرات مثل (نيرة) من عنف لا يقل بشاعة عن ما تعرضت له الطالبة (نيرة أشرف). وبالرغم من أن الجاني معلوم وتم القبض عليه فور حدوث الواقعة، إلا أنه ليس المسؤول الوحيد عن مقتل (نيرة). بمعنى آخر هناك فارق بين المسؤولية بتعريفها القانوني والجنائي في هذه الواقعة والتي بمقتضاها تم تحديد الجاني والقبض عليه وبين المسؤولية بتعريفها المجتمعي. في ضوء هذه المسؤولية المجتمعية، يصبح السلاح المادي مجرد شكل من أشكال العنف التي أودت بحياة (نيرة أشرف)، وفي ضوء هذه المسؤولية أيضاً يمكننا بوضوح تحديد الأشخاص (حقيقية أو اعتبارية) الذين كان بإمكانهم إنقاذ  (نيرة). 

الكلمة مسؤولية

هنا لست أتحدث فقط عن التحريض الاعلامي وخطابات كراهية النساء التي أصبح الكثير من الاعلاميين والدعاة ورجال الدين يتنافسون على تصديرها سواء عبر شاشات التليفزيون أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. هنا لست أتحدث فقط عن خطابات التحريض على اغتصاب النساء والتحرش بهن واستباحة أجسادهن في المجالين الخاص والعام. وإنما أتحدث بشكل أساسي عن المفردات والمصطلحات التي يتم استخدامها في توصيف جرائم مرعبة مثل ما حدث مع الطالبة (نيرة أشرف). أرفض التعامل مع تلك الواقعة باعتبارها مجرد جريمة قتل، قاتل (نيرة) لم يقتلها حباً فيها وإنما غضباً من رفضها له. دافع القتل هو استحقاق ذكوري بحت. استحقاق ذكوري يجد من يدعمه ويشرحه ويبرر له. من رجال الدين والدعاة تارة، ومن الإعلاميين تارة أخرى. في الوقت نفسه أرفض التعامل مع تلك الواقعة (بكل جسامتها وبشاعة تفاصيلها) وكأنها حدثاً استثنائياً. وهذا ليس تقليلاً من خطورة الواقعة ودلالاتها بأي شكل من الأشكال، وإنما إدراك لواقع من استهداف النساء لكونهن نساء في الأساس. مجرد نظرة سريعة على مواقع الأخبار المصرية كفيلة بأن تكشف لنا التغيرات والتصاعدات في وتيرة العنف ضد النساء في مصر سواء في المجال الخاص والمجال العام. والحقيقة أنه ليس من دوري أو من دور أي من العاملين والعاملات على قضايا العنف ضد النساء تقديم تحليلات نفسية لكل رجل يقرر أن ينهي حياة امرأة في مصر، ولكن دورنا أن نسمي الأشياء بمسمياتها وأن ندرك أن ما حدث ل(نيرة) مرعب لأن إمكانية حدوثه وتكراره بالنص لأي فتاة أو سيدة أخرى ليس مستبعداً ولذا الكارثة كل الكارثة هي تطبيعنا مع مثل هذا العنف. وأول خطوات التطبيع مع العنف هي نزعه عن سياقه أو تسميته بغير اسمه. 

الصمت مسؤولية

أتصور أنني لست الوحيد بالطبع من الذين توقفوا كثيراً عند تصريحات جيران قاتل (نيرة أشرف) وبالتحديد تصريح أحدهم بأن القاتل (كان في حاله وماكانش حد بيسمع صوته غير وهو بيضرب اخواته البنات). هذا التصريح في حد ذاته في حاجة لتأمله مراراً وتكراراً ليس لأنه غريب على أذننا لا سمح الله بل بالعكس سمعنا مثله كثيراً. مشكلة هذا التصريح تكمن في منطقه. هذا المنطق الذي يرى أن العنف الأسري لا يعيب أخلاق قاتل (نيرة). هذا المنطق المتسامح حتى النخاع مع تواطؤه الصريح على أجساد النساء. نعم من وجهة نظري هذا الجار (وهو ليس وحيداً في ذلك بالطبع) كان من الممكن أن يمنع تلك المأساة من الحدوث. كيف؟ إذا قرر التعامل مع العنف الأسري باعتباره جريمة لا يمكن السكوت عليها. أن يضرب القاتل أمه وأخواته البنات، هذا ليس سلوكاً خاطئاً في حاجة لتصويب تربوي. من المفترض أننا تجاوزنا هذا المنطق بسنوات ضوئية. العنف الأسري جريمة مكتملة الأركان، وبالتالي قاتل (نيرة أشرف) مجرم من البداية وليس فقط من لحظة قتلها. والسكوت على العنف الأسري أو التسامح معه هو تواطؤ لا لبس فيه على أجساد وأرواح النساء. 

التكاسل مسؤولية

نعم أعلم أن الشرطة لعبت دوراً في قضية (نيرة أشرف) قبل قتلها وبالتحديد عندما حررت للقاتل محضر عدم تعرض قبل أن ينفذ جريمته البشعة، ولكني أعلم أيضاً أنه في كثير من الأحوال خاصة عندما يأتي التهديد من أحد أقارب أو أهالي الضحية-الناجية (خاصة في حالات العنف الأسري أو العنف في المجال الخاص)، في الأغلب تقرر الأجهزة المعنية عدم التدخل أو تحويل القضية إلى جلسة عرفية. لماذا؟ أتصور أن الأسباب مرتبطة ومتشابكة. أولهما هذا الاتفاق الضمني بين المجتمع والشرطة على ملكية النساء في سياق (العائلة والأسرة). ففي كثير من الأحوال، بدلاً من أن تقوم الشرطة بالتدخل لحماية ناجية من العنف، تقرر إعادتها لأهله مرة أخرى وكأنها فاقدة للأهلية. أما السبب الثاني فهو عدم أخذ العنف ضد النساء بجدية. إن أي تكاسل أو تباطؤ في سن قوانين وتشريعات تقدم حمايات وضمانات حقيقية للنساء في مواجهة العنف لا يمكن التعامل معه إلا باعتباره استهانة بمدى حقيقية العنف الذي تتعامل معه نساء مصر في المجالين الخاص والعام على حد سواء. 

انقاذ مايمكن انقاذه

نعم، لقد خسرنا (نيرة أشرف) ويالها من خسارة، فكل ضحية من ضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي في مصر ليست مجرد اسم أو صورة وإنما هي حياة وأحلام وآمال كان من الممكن أن تكون لولا إرادة العنف المدعومة بشرعية مجتمعية (طوال الوقت). ولكن مازال بامكاننا إنقاذ غيرها من النساء والفتيات اللذين من الممكن أن يواجهوا نفس المصير المخيف إذا لم نأخذ موقفاً واضحاً وصريحاً وحاسماً ضد هذا العنف. وفي رأيي الخطوة الأولى في هذا الصدد هي الاعتراف بأن العنف ضد النساء في مصر ليس حالات فردية، وأنه حتى ولو اختلفت ملابسات وحيثيات كل قضية من قضايا العنف ضد النساء إلا أن أساسها واحد، استهداف على أساس الهوية وليس مجرد حادثة قتل أو واقعة عنف.  نعم يمكننا إنقاذ نساء وفتيات كثيرات إذا اعترفنا بأن القوانين وحدها لا تحمي النساء في مصر وإن كان وجود تشريعات تحمي النساء من العنف ضرورة قصوى لا يمكن تأجيلها. إن الرعب الحقيقي بالنسبة لي في مقتل الطالبة (نيرة أشرف) هو الأريحية التامة التي نفذ بها القاتل جريمته في وضح النهار، على مرأى ومسمع من الجميع وأمام باب الجامعة. تلك الأريحية النابعة من استباحة لحياة الضحية و اقتناع بأنه خارج أسوار مكان احتجاز القاتل، هناك صوت مواطن مصري مازال يتساءل: (ايه اللي وداها هناك؟!)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *